مغالطة الشخصنة الحواريّة.

عادةً ما يميل العقل البشري إلى البحث في مبررات الأمور ، وبطبيعته الفطرية عند عدم معرفته للعلّة ؛ يقوم بربط حدثين مشتركين في نفس الوقت والمكان فيضع أحدهم نتيجة ، والآخر علّة ، حتى ولو لم يكن كذلك في حقيقته.

هناك حوار يدور حول الحقائق وآخر يدور حول الآراء والأفكار ، يحاول الإنسان إثبات رأيه بعدة طرق منها ما هو صحيح باثباته بالأدلة والبراهين ومنها ما هو خاطئ كالمغالطات المنطقية أو ما نسميه بـ"المنطق اللا منطقي".

هذه هي المغالطة المنطقية ، عبارة عن خطأ في الاستنتاج والتفكير ، والحجج القوية تكون خالية من المغالطات المنطقية ، بينما الحجج الضعيفة تستخدم المغالطات المنطقية لتظهر أقوى مما هي عليه ، وان تحدثنا عن المغالطات سيطول الحديث لكثرة تعددها لكن النوع الغالب عليها هو "مغالطة الشخصنة الحوارية".

‏تكمن فكرة الشخصنة في التهرب من هدف النقاش الأساسي والتركيز على أمور فرعية مثل: ايديولوجية الشخص أو مذهبه أو جنسه ، ويتم اللجوء لخِدع توهم الطرف الآخر انه المخطئ وتلقي كامل اللوم عليه ، ومن المعلوم أن شخصنة الحوار لا تأتي إلا ممن يفتقر إلى الحجة والاستدلال بالمنطق ، فيقوم جاهدًا باختلاق قضية بعيدة عن محور الحديث لجعلها تَحول بينه وبين الطرف الاخر ، كأن تتم محاولة اسكاته او تغليطه بسبب صغر سنه على سبيل المثال.

هل نكون على حق إذا قلنا أن مغالطة الشخصنة الحوارية هي من أكثر أنواع المغالطات إنتشارًا في مجتمعنا ؟

أحسب أن سبب ممارسة الشخصنة في النقاشات هي ناتجة عن الفكرة المغلوطة في دواخلنا ، بأن الهدف من خوض حوارٍ ما يكمن في أن نكون دائمًا على حق ، ولسنا نريد رؤية الواقع من جانبه الاخر في أن نكون على خطأ احيانًا ، وكل ما يتم التركيز عليه هي الكيفية التي بها يتم افحام الطرف الاخر واسكاته اكثر من جعله حوار مُثري يخرج منه جميع الاطراف بفائدة تُذكَر من خلال التحليل والنقد الموضوعي ووضع حل للمشكلات والبحث في مسبباتها. إن المجتمع بحاجة ماسّة الى الاعتراف بكل ما جعلنا نغض ابصارنا عن العائق امام استفادتنا من خبرات الاخرين عندما نخوض الحوارات معهم ، وعدم الاهتمام بجانب الصائب والمخطئ لشخصه ، انما للفائدة المرجوة. ومن الضروري الاقتناع بمبدأ "الاعتراف بالخطأ فضيلة" وان صورة الشخص المخطئ ليست المبرر الذي يجعله يتهرب من الاعتراف ويرى نقصًا في ذلك ، فالانسان لا يتعلم في غالبية الامور الا اذا اخطأ ، فمن المخجل ان نتطرف في مغالطة الشخصنة لمنع انفسنا من الاقتناع براي ما فقط لوجود خلاف مع شخص المتحدث.

ان من اهم ما يمكن ان نعمل به تجاه شخصنتنا هي اتخاذ منهج الحيادية ، بحيث نكون قادرين على الفصل التام بين الفكرة المطروحة وبين صاحبها ، وهذا يدفع الى جعلنا نستوعب حقائق الامور ونقبل باختلاف المعلومات التي تنهال علينا.

جريدة الأمة / https://al-omah.com/مغالطة-الشخصنة-الحوارية/

تم عمل هذا الموقع بواسطة